جرائم الشرف في إيران... عنف ممنهج تحت غطاء الثقافة والقانون

أكدت رضوان مقدم المتحدثة باسم حملة "أوقفوا جرائم القتل بدافع الشرف" أن النساء في إيران ما زلن ضحايا لعنف ممنهج تغذّيه القوانين والثقافة الذكورية، وأن تخطي مفهوم "الشرف" خطوة أساسية لمواجهة جرائم القتل المسكوت عنها.

شهلا محمدي

مركز الأخبار ـ تسلّط حملة "أوقفوا جرائم القتل بدافع الشرف" الضوء على العنف البنيوي ضد النساء في إيران، وتعمل عبر التثقيف والتعليم ومناصرة تعديل القوانين لكشف جذور المشكلة ومواجهة مفهوم "الشرف" الذي يبرّر القتل. وتؤكد أن تفكيك البنية القانونية والثقافية الذكورية هو السبيل لوقف هذا العنف الممنهج.

مع اقتراب اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، تسلّط رضوان مقدم، المتحدثة باسم حملة "أوقفوا جرائم القتل بدافع الشرف"، الضوء على واحدة من أبرز القضايا الحقوقية في إيران، في حوار مع وكالتنا، إلى واقع العنف الموجّه ضد الإيرانيات، لا سيما الجرائم التي تُرتكب تحت مسمى "الشرف"، وسبل التمكين والوعي التي تتيح للنساء مواجهة هذه التحديات بهدف الوصول إلى مجتمع لا تُزهق فيه أرواح النساء بسبب مفاهيم مغلوطة مثل "الشرف".

 

في ظل تصاعد جرائم قتل النساء في إيران خلال الأشهر الأخيرة، خاصة على يد أفراد من أسرهن، كيف ترين طبيعة هذا التصعيد؟ وما العوامل البنيوية التي تساهم في استمراره؟

العنف ضد النساء في إيران ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو واقع بنيوي ومنهجي متجذّر في المجتمع، يتخذ أشكالاً جديدة يوماً بعد يوم. أما جرائم القتل بدافع الشرف، فهي ليست حالات فردية أو طارئة، بل نمط متكرر شهد تصاعداً مستمراً خلال السنوات الماضية، وليس فقط في الأشهر الأخيرة. أسباب هذا التصاعد واضحة، لكننا نسعى، من خلال بيانات وتجارب حملة "أوقفوا جرائم القتل بدافع الشرف"، إلى تقديم رؤية أعمق وأكثر دقة حول هذه القضية.

تشير توثيقات الحملة إلى أن ما لا يقل عن 20 امرأة تُقتل شهرياً في إيران بدافع الشرف؛ رقم صادم يكشف حجم العنف المنهجي الذي يُمارس بحق النساء.

ورغم هذا الواقع، لا يزال جزء من المجتمع يحمل تصورات مغلوطة، إذ تُمثل المرأة في الثقافات الذكورية، وفي المجتمعات التي تخضع لتقاليد دينية صارمة، "شرف العائلة". وفي ظل هذه الثقافة، فإن أي جريمة قتل تهدف إلى السيطرة على جسد المرأة أو سلوكها أو حياتها تُعد، وفق التعريف الدقيق، جريمة قتل بدافع الشرف، بغض النظر عن الذريعة المستخدمة لتبريرها.

إن تجاوز مصطلح "الشرف" يُعد خطوة جوهرية نحو تفكيك أحد أبرز مفاهيم العنف ضد النساء، فالمرأة ليست ملكاً لأحد، ولا تمثّل شرف أحد. ومع ذلك، لا يزال هذا المفهوم غير واضح تماماً، ليس فقط لدى بعض القانونيين، بل حتى لدى عدد من الناشطات في مجال حقوق المرأة، حيث يُبرّر العنف أو جرائم القتل بدافع الشرف أحياناً عن وعي أو دون قصد.

وقد نجحت حملة "أوقفوا جرائم القتل بدافع الشرف" خلال السنوات الأخيرة في إرساء خطاب جديد وفعّال حول هذه القضية، مما جعل الحديث عن جرائم الشرف في وسائل الإعلام وبين الناشطات أكثر وضوحاً ودقة وسهولة.

في إيران، يُعد العنف ضد النساء ظاهرة بنيوية ومؤسسية، حيث تتسم القوانين السارية بطابع معادٍ للنساء، فبدلاً من أن تكون رادعة، فإنها تساهم بشكل غير مباشر في تشجيع العنف، بل وحتى القتل. فالقانون الذي يُفترض أن يمنع الجريمة، أصبح عملياً جزءاً من دورة إنتاجها.

وتُعد المادتان 301 و302 من قانون العقوبات مثالاً واضحاً على "القوانين المُحفّزة للجريمة"، إذ تسهّلان ارتكاب القتل وتؤديان إلى تخفيف العقوبة.

إلى جانب القوانين التمييزية، تهيمن الخطابات الذكورية على الفضاء العام في إيران، بدءاً من النظام التعليمي ومحتوى الكتب المدرسية، وصولاً إلى الإعلانات واللافتات المنتشرة في الشوارع. هذه المنظومة لا تُنتج أفراداً يؤمنون بالمساواة، بل تروّج لقيم الهيمنة والسيطرة وفرض السلطة على النساء. في ظل هذا الواقع، لا يقتصر التحريض على العنف ضد المرأة على النصوص القانونية فحسب، بل يشمل أيضاً من يُفترض بهم تطبيق القانون.

حين يقوم عناصر الأمن بسحل النساء من شعرهن على الإسفلت بذريعة "الحجاب الإجباري"، وأمام أعين المارة، تتحول هذه الممارسات إلى نموذج مشروع للعنف، يُكرّس كجزء من التربية الاجتماعية التي ضخّتها الجمهورية الإسلامية في المجتمع لعقود. بل إن النظام لا يتردد في تحميل النساء مسؤولية الأزمات الوطنية، من شحّ المياه إلى تفشي الفساد، عبر ربطها بـ "سفور النساء"، في محاولة لتبرير العنف وجعله أمراً طبيعياً ومقبولاً.

 

في ظل هذا المناخ الثقافي والقانوني الذي يكرّس العنف ضد النساء، يبرز تساؤل جوهري: ما الذي يدفع بعض الشخصيات العامة والمؤثرة إلى الاستمرار في استخدام مصطلح "الشرف" وتكرار خطابه؟

هؤلاء الأفراد هم نتاج مباشر للنظام التعليمي والثقافي والإعلامي الذي ترعاه إيران، سواء في مجالات الفن والرياضة أو حتى في بعض أوساط المعارضة، لا يزال كثيرون يتحدثون عن المرأة من منظور "الملكية"، وكأنها شيء يُمتلك. حتى الشتائم المتداولة التي تُستخدم لإهانة الرجل، غالباً ما تستهدف والدته أو شقيقته، مما يعكس تصوراً راسخاً بأن المرأة تابعة للرجل وامتداد لكرامته.

لذلك، فإن المشكلة ليست فردية أو سلوكية، بل هي بنيوية وجذرها في تركيبة النظام نفسه، وما لم يتم تفكيك هذا البناء الثقافي والقانوني بالكامل، سيبقى العنف ضد النساء مستمراً ومبرراً ضمن هذا الإطار السلطوي.

 

ما الأساليب والأنشطة التي تعتمدها حملة "أوقفوا جرائم القتل الشرف" في تعزيز الوعي المجتمعي، وتمكين النساء من مواجهة العنف القائم على مفاهيم الشرف؟

ترتكز أنشطة الحملة على ثلاثة محاور أساسية، وهي التثقيف، التعليم، والعمل على إصلاح القوانين. ففي إيران، يفتقر العديد من المشرّعين إلى الحد الأدنى من الوعي بحقوق النساء، إذ تصل الأمور إلى حد أن نائباً في البرلمان يدّعي أن سبب أزمة المياه هو "سفور النساء"، في ظل هذا الواقع، يصبح إنتاج قوانين عادلة وتقدمية أمراً شبه مستحيل.

تسعى الحملة، من خلال تنظيم ورشات عمل في مختلف المدن، ونشر كتيّبات توعوية، وتحليل أخبار جرائم القتل من منظور تعليمي، إلى كشف جذور المشكلة وتقديم حلول عملية. ومع ذلك، فإن هذه الجهود بحاجة إلى أن تتوسع لتشمل نطاقاً أوسع من المجتمع.

ما دام النظام التعليمي والقانوني في إيران قائماً على نظرة نفعية للمرأة، فإن العنف والقتل سيستمران، رغم أن مستوى الوعي المجتمعي قد شهد تطوراً ملحوظاً مقارنة بالماضي. ومن هنا، فإن التضامن والتنسيق بين الناشطين والناشطات عبر الفضاء الرقمي يمكن أن يسهم في تطهير هذا المجال من الخطابات السامة، ويدفع المجتمع نحو الوعي، والتفكير النقدي، والمقاومة الفاعلة ضد العنف الرقمي.